وصـف جامع للنبي صلى الله عليه وسلم أم معبد تصـف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكمال خلقته وجمال صورته صلى الله عليه وسلم فشيء معلوم لا يُجْهل، مَعروف لا يُنكر، نراه جلياً واضحاً في وصف أم مَعْبد له في الحديث الذي أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو حديث حسن.
وكان ابن كثير يقول: قصة أم معبد مشهورة من طرق يشد بعضها بعضاً، وقد جاء في الحديث:
حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً إلي المدينة هو وأبو بكر ومولى أبى بكر عامر بن فَهيرة ودليلهما الليثي – عبد الله بن أُريقط – مَرَّوا على خيمتي أم معبد الخزاعية –
وكانت بَرْزَهً (المرأة الطاعنة في السن، التي تبرز للرجال، ولا تحتجب عنهم)، جَلْدَةً(قوية)
تَحتَبي بفناء القبة (الخيمة) ثم تسقى وتطعم من مرَّ بها.
فسألوها لحماً وتمراً؛ ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك،
وكان القوم مُرْمِلين مُسْنِتين (أي أنهم دخلوا سنة الجدب والقحط)
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي شاة في كِسْر الخيمة (جانب الخيمة)
فقال الرسول: ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت أم معبد: شاة خلَّفها الجهد عن الغنم.
قال الرسول: أبها من لبن؟ قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلباً فاحلبها.
فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ بيده ضرْعها، وسمّى الله تعالى ودعا لها في شاتها حتى فتحت الشاةُ رجليها ودرَّت للحلب. فدعا النبي بإناء كبير فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم ثم أَرَاضُوا (كَرَّرُوا الشرب حتى بالغوا في الري)
ثم حلب في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء ثم تركه عندها وبايعها وارتحلوا عنها، وبعد قليل أتى زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عِجَافاً يتمالين من الضعف، فلما رأى أبو مَعْبد اللبن عَجِبَ وقال:
من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب ؟ (بعيدة عن الري)، حائل (لم تحمل)
ولا حلوب في البيت ؟! قالت: لا والله إلا أنه مرَّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.
قال: صِفيه لي يا أم معبد.
_ أم معبد تصـف رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت:
رأيتُ رجلاً ظاهر الوضاءة ([1]) أبلج الوجه ([2]) حسن الخَلْق،
لم تَعِبْهُ نُحْلَةٌ ([3]) ولم تُزْرِ به صُقْلَةٌ ([4])، وقيل: صعلة ـ أي صغر الرأس، وسيمٌ قسيمٌ ([5])،
في عينه دعج ([6]) وفي أشفاره وَطَفٌ ([7])، وفي صوته صَهَلٌ ([8])،
وفي عنقه سَطَعٌ ([9])، وفي لحيته كثاثة ([10])، أزجٌ أقْرنٌ ([11])
إن صمت فعليه الوقارُ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ([12])
أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب
حلو المنطق، فصْلٌ لا نَزْرٌ ولاهَزر([13])، كأن منطقه خرزاتُ نَظْمٍ يتحدرنَ
رَبعةً لا يأسَ من طول ولا تقتحمه عين من قصر([14])
غُصْنٌ بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدْراً
له رفقاءُ يَحُفُّون به([15])، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أَمَرَ تبادروا لأمره،
محشود([16]) محفود([17])، لا عابسٌ ولا مُفَنَّد([18])
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفْعَلَنَّ إن وجدتُ إلي ذلك سبيلاً.
وأصبح صوتٌ بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون عن صاحبه، وهو يقول:
جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جَزَائه
رفيقين قالا([19])خيمتيْ أم مَعْبدِ
هما نَزَلاَهَا بالهدى واهتدتْ بـه
فقد فاز من أمسى رفيقَ محمد
وبعد أيها الأحبة... فقد تكلمت عن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لأمور:-
الأمـر الأول:
لأنه في هذا الزمان لما غاب القدوة والمثل الأعلى، لم يجد الشباب إلا أن يقلدوا الساقطين والساقطات في الملبس والهيئة...إلخ،
فحاولتُ أن أبرز لهم هيئة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ليحاولوا أن يتشبهوا به، فمن تشبه بقوم فهو منهم.
كان قتادة بن دعامة الدوسي ـ وهو صاحب أنس بن مالك رضي الله عنه ـ يجلس معه ذات مرة،
فقيل لأنس رضي الله عنهصف لنا شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان كشعر قتادة
فبكى قتادة من الفرح. (بكى لأنه وافق شيء من أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم
الأمر الثاني:
كثير من الناس يدعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو في الحقيقة لم يره، إنما رأى خيالاً أو رجلاً ذا لحية، فقال: هو النبي، فبعد هذا الوصف للنبي صلى الله عليه وسلم فإن رأيته في المنام فقد رأيته حقاً.
أخرج الترمذي عن أبي قتادة رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من رآني ـ يعني في النوم ـ فقد رأى الحق"
ـ رأى الحق: أي رأى الرؤيا الصادقة الحقة، والشيطان لا يستطيع أن يتمثل أو يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيَّل بي
قال: ورؤيا المؤمن جزءٌ من ستةٍ و أربعين جزءاً من النبوة".
وعند الترمذي بلفظ:"من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي"
وعند ابن ماجة:
"من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور بي ـ أو يتشبَّهُ بي"
لذلك كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إذا جاءه الرجل، وقال له: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول له: صفه لي.
كما جاء في مسند الإمام أحمد:
أن كُليب قال لابن عباس قد رأيتهُ (أي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) في المنام،
فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ له: صفه لي"
فذكرت الحسن بن علىّ رضي الله عنهوشبهته به، فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: كان يُشْبهُهُ"
وفي مسند الإمام أحمد أيضاً عن يزيد الفارسي ـ وكان يكتب المصاحف ـ قال:
رأيتُ رسول الله في المنام زمن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله في المنام ـ النوم ـ، فقال ابن عباس: إن رسول الله كان يقول:
"إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني في المنام ـ النوم ـ فقد رآني"،
هل تستطيع أن تنعت هذا الرجل الذي رأيته في النوم ؟ قال: نعم.
أنعتُ لك رجلاً بين الرجلين، جسمُهُ ولحمه أسمر إلى البياض،أكحل العينين حَسَنَ الضحك، جميل دوائر الوجه، قد مَلأت لحيتهُ ما بين هذه إلى هذه، قد مَلأت نحره (وعدد أشياءً أُخر)
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعتهُ فوق هذا.
[1])) حسن الوجه.
[2])) مشرق الوجه.
[3])) نحول الجسم.
[4])) تريد أنه ليس بناحل ولا منتفخ.
[5])) جميل الخلقة، حسن وضيء.
[6])) شدة سواد العين.
[7])) طول أشفار العين.
[8])) بُحة وحُسن ( ليس بحاد الصوت ).
[9])) طول وإشراق.
[10])) كثرة الشعر مع استدارة فيها.
[11])) حاجباه طويلان ومقوسان.
[12])) حسن المظهر.
[13])) كلامه بَيَّن وواضح ليس بالقليل ولا بالكثير.
[14])) أي ليس طويلاً طولا مفرطا، ولا يحتقر لقصره الشديد.
[15])) يحيطون به.
[16])) محفوف به ومحاط به.
[17])) مخدوم، والمحفود: الذي يخدمه أصحابه، ويعظمونه، ويسرعون في طاعته.
[18])) غير عابس الوجه وكلامه خال من الخرافة، والمفند: هو الذي لا فائدة في كلامه لِكِبْرٍ أصابه.
[19])) حَلاّ وقت القيلولة وهو منتصف النهار.
توقيع : حبيبه الرحمن
إن غبت عنكم فلا تنسوني من صالح دعائكم فلا بد للكل أن يذوق الموت أشهد الله وأشهد ملائكته وكتبه ورسله وأشهدكم وأشهد جميع خلقه بأني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله