عمرو خالد مشوار حياه

لم يكن لأكثر معارفه خيالاً ان يتخيل ان هذا الشاب المهذب الخجول أبن الأسرة الغنية والميسور الحال ورئيس إتحاد طلاب كلية التجارة بجامعة القاهرة ، أن يصبح بعد اقل من عشرين عاماً هو الشخص رقم 13 في الشخصيات المائة الأكثر تأثيراً على العالم بحسب مجلة التايم الأمريكية الذائعة الصيت والواسعة الإنتشار

لكن المتتبع لنشأة عمرو خالد عرف في حياته أنه هو هذا الشخص غير العادي الذي يفاجئك دائماً بقفزات النجاح الواسعة ، فهذه الجلسة الخاصة لمجموعة الأصدقاء الذين كانوا يجلسون ليتناقشوا في امور الدين خلال التسعينات في نادي الصيد المصري ، النادي الذي يرتاده الكثيرين ابناء الطبقة الثرية في مصر تتحول إلى درس ديني كبير يعج به نادي الصيد ويضيق به ، فينتقل منه إلى مسجد المغفرة بالعجوزة احد مناطق الأثرياء الشهيرة في القاهرة ومن ثم تعجب الحاجة ياسمين الحصري ( ياسمين الخيام ) بذلك الشاب الصغير وكيف التف الشباب حوله فتقدم له أقتراحاً بنقل الدرس الأسبوعي إلى مسجد جمعية الحصري الذي تشرف عليه هي ، ومن مسجد الحصري تبدأ أنطلاقة عمرو خالد الأكبر ، فينتشر صيت عمرو خالد في القاهرة وفي مصر ويصل عدد الحضور في المسجد إلى اعداد قدرت وقتها ب 35 ألف فرد

في العام 2000 صدر الشريط الأول لعمرو خالد وكان يتكلم عن الحجاب وحقق الشريط نجاحاً باهراً كون الكثيرين وجدوا ضالتهم في الشريط ، فالكثيرين كانوا يأملون بأسلوب هو أكثر يسراً وأكثر ترغيباً لا ترهيباً ، وأكثر إقناعاً لا إجبارا وأكثر اعتدالاً وأكثر شمولاً وجدوا ضالتهم في عمرو خالد ، وفي قناة أقرأ ينطلق عمرو خالد إلى عالم الفضائيات ببرنامجه ونلقى الأحبة ذلك البرنامج الذي استمر لمدة عامين وفي كل حلقة يتناول احد الصحابة ويسلط الضوء على حياته ،

لاقى البرنامج نجاحاً باهراً خاصة انه كان يوضح للناس شمول الإسلام فلم يكن البرنامج يركز على الصحابي في العبادات والفرائض فقط لكنه تناول الأخلاق والتزكية والأسرة والحياة بكافة إشكالها وكيف كانت في حياة الصحابة رضوان الله عليهم وكيف يمكننا أن نستفيد من حياة هؤلاء الأخيار ونطبقها في حياتنا ، وان نحولها من قصص تسمع للتسلية ، إلى وقائع نترجمها في حياتنا

في عام 2003 وفي مارس عندما شنت الولايات امتحدة الأمريكية حربها على العراق خرج عمرو خالد ببرنامجه اليومي حتى يغيروا ما بأنفسهم ، يشد من أزر الأمة والجمهور الإٍسلامي ويعطيه الأمل بأن التغيير قادم لا محالة ، وأن النصر قادم إذا بدأنا بأنفسنا

لكن سرعان ما اقلق السلطات نمو عمرو خالد السريع وتأثيره على الشباب فخير بين المكوث في مصر بدون ممارسة العمل الدعوى أو مغادرتها فأختار عمرو خالد المغادرة

وإلى انجلترا انطلق عمرو خالد ومن انجلترا إلى بيروت وهناك بدأ برنامجه الأكثر تأثيراً والأكثر استجابة في العالم العربي صناع الحياة ، كمشروع عملي للنهضة بالأمة وكتطبيق عملي للإسلام في بناء الحضارة

لكن عمرو خالد توقف عن تقديم البرنامج فترة واعداً بالعودة في جزء ثاني من البرنامج لكنه لم يكمله ولم يأت هذا الجزء الثاني وقيل أن عمرو خالد أصيب بالإحباط لأن النجاح الذي حققه البرنامج لم يكن هو ذلك النجاح الذي حلم به كمشروع لنهضة الأمة ولكن ظل صدى البرنامج وجمعيات صناع الحياة منتشرة في أرجاء العالم العربي والإسلامي حتى اليوم

في العام 2005 عاد عمرو خالد إلى القاهرة مرة أخرى وخلال فترة هدوء نسبي سبقت الانتخابات البرلمانية

اما في عام 2007 فقد اختير عمرو خالد كواحد من أكثر مائة شخصية أثرت في العالم حيث جاء في المرتبة الثالثة عشر

وفي رمضان الأخير قدم عمرو خالد برنامج الجنة في بيوتنا متحدثاً عن الأسرة وعن الأسرة كونها لبنة المجتمع الإسلامي وحجر أساسه الأول ، في برنامج جديد ليترجم معاني الإسلام ويطبقها على واقع حياتنا

شوك في طريق النجاح

لكن طريق عمرو خالد لم يكن طريقاً مفروشاً بالأزهار والورود فبخلاف إبعاده من مصر كانت الصعوبة الأبرز هو ذلك الكم الواسع من الانتقادات التي لاقاها عمرو خالد من الكثيرين على مختلف أفكارهم وأوجه اعتراضاهم ، فما بين معترض على حلقه للحيته وارتدائه البدلة وتحدثه بالعامية ، وما بين معترض على أسلوبه جملة وتفصيلاً ومن يراه مميعاً للدين بتيسير الأمور وتبسيطها اكثر مما تحتمل ، وما بين ممسكاً لكل جملة من الجمل محللاً لها ومحملاً الأمور أكثر مما تحتمل في بعض الأحيان

لكن الحادث الذي نال فيه عمرو خالد من الانتقادات كماً واسعاً فكان عندما سافر إلى الدنمارك بعد أزمة الرسوم المسيئة للنبي على رأس فريق من الشباب المسلم ذهب لملاقاة الشباب الدنماركي ، وبعض ممثلي هيئات المجتمع الدنماركي لتوصيل صورة سليمة عن الإسلام والمسلمين ، وساعتها انتقد العالم الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي عمرو خالد وطالبه بمراجعة خطوته
فساعتها كان العالم العربي والإسلامي ثائراً ويغلي مما دفع الكثيرين لاعتبار أن هذه الخطوة هي مهادنة وتنازل عن الحق ،

وأصر البعض على إقحام اسم عمرو خالد في أثناء قضية هند الحناوي وأحمد الفيشاوي على اعتبار أن عمرو خالد كان يظهر في حلقات برنامج يلا شباب مع احمد الفيشاوي وأن احمد الفيشاوي كان دائم التصريح بأنه صديق عمرو خالد

ولكن عمرو خالد الذي ميع الدين في طرف هذا الفريق كان شبح الإرهاب والتشدد والتطرف لدى فريق آخر هاجمه واعتبره انه يستغل الشباب للترويج لأفكار متطرفة وهدامة ولاقى عمرو خالد من الانتقادات ما وصل إلى حد التطاول ولعل كان أكثر ما انتشر من هذا النوع من الانتقادات ما قاله مفيد فوزي عن عمرو خالد عندما وصفه بأنه راسبوتين العصر مشبهاً له برجل الدين المسيحي الفاسد في العصور الوسطى راسبوتين

لكن اسلوب عمرو خالد في الرد على منتقديه كان السكوت التام والتجاهل المطلق مع إبدائه الاحترام الشديد لمن يختلف معه في الرأي

مدرسة عمرو خالد

في كتابه جدد حياتك عندما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله ، بعدما يذكر الحديث الذي يقول فيه الله سبحانه وتعالى يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة " يتعجب الشيخ الغزالي لا ادري لماذا لا يطير العباد إلى ربهم على اجنحة من الشوق بدلا من ان يساقوا بسياط من الرهبة

من هنا كان عمرو خالد ينطلق ليؤسس مدرسته الجديدة ، تلك المدرسة التي تقوم على بشائر رحمة الله وعلى اجنحة الشوق إلى الرحمن وحب الرحمن ، تلك المدرسة التي تتبنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بشروا ولا تنفروا ، فأستطاع عمرو خالد ان يصل إلى طبقة من الشباب اعتبرت نفسها أنها ذاهبة إلى جهنم لا محالة بما فعلته في حياتها ، إلى ثقة في رحمة الله وغفرانه ،

من كلام إنشائي ودروس يسمعها السامعين لاهين في صلوات الجمعة استطاع عمرو خالد أن يحول الكثير من المعاني الإسلامية إلى واقع يتحقق على الأرض وإلى معنى ينطبق حرفياً على حياتنا اليومية ، وان يفسر كيف نستطيع ان ننهل من إسلامنا ما نستطيع ان نسير به في حياتنا العملية ، وحول الكثير من المعاني الجافة المصمتة إلى معاني نطبقها في حياتنا اليومية

و بدا عمرو خالد حريصاً كل الحرص على البعد عن السياسة ودوشتها ووجع دماغها وبعيداً عن الأجندات المسبقة مما ساعده في الانطلاق سريعاً نحو هدفه وتقليل الكثير من العوائق أمامه

موقف أعجبني

الموقف الذي دائما أقف معه عندما يحكيه عمرو خالد هو ذلك الموقف عندما كان يحج او يؤدي العمرة بعدما طالبته السلطات المصرية بمغادرة البلاد إذا أراد مواصلة إلقاء الدروس والمحاضرات ساعتها كان قد قرر ان يترك مصر لكنه لم يكن يعرف إلى اين يذهب ومن يقصد وماذا يفعل فقابل فتى صغير في اثناء الطواف فسأله ذلك الطفل عن عنوانه كي يراسله عليه فتدمع عين عمرو خالد ويقول له صراحة مش عارف ، فيحزن الطفل وهو يظن ان عمرو خالد يضلله كي لا يعطيه عنوانه لكن عمرو خالد يقول له والله انا ما عارف عنواني فين

حبة إنصاف

في النهاية وإن كان هناك من يختلف مع الرجل او يتفق لكن امراً لا يختلف عليه اثنين ان عمرو خالد استطاع – بفضل الله – ان يخلق موجة من الإلتزام والتدين والتغيير في عشرات الآلاف من الشباب في عالمنا العربي خلال سنوات قليلة ، واستطاع ان يحقق طفرة في اسلوب الخطاب الديني ، جعل الكثيرين من مختلف المدارس الفكرية يسير على نهجه وطريقته ، وحتى إن اختلفنا على هذه فإننا نتفق ان هذا الرجل نحسبه على اخلاص وعلى حب لدين الله ودعوته .

» لمحات من حياه الرسول صلي الله عليه وسلم